ما بين الوهم و الحقيقة - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

ما بين الوهم و الحقيقة
كن محبا لنفسك و شاهد على ذلك .... اليوم, غدا و دائما.
و لنبدأ مع أكثر الأسرار عمقا للحب..
و هي محبة النفس
إن كل التقاليد لم تعلمك إلا أن تكون تحت التقييد... بل أكثر من ذلك أن كل الثقافات, الكنائس و الحضارات لم تحضرك إلا بمحبة الآخرين دون محبة النفس.. و بذلك تصبح مظللا بظلها, و هذا ما تصبو إليه ضالتها بأن تكون من الضالين..
الحب غداء و إحياء للروح, كما الطعام غداء للجسد...
فكما الجسد يهون و يضعف بغياب الطعام, كذلك بغياب الحب تضعف الروح..
فبإحياء الروح تجتاز الغير مسموح.. و هذا ما لا يرغب به المجتمع الذي جهز لك كل الشروح حتى تصبح فقط ممسوح بكل ما هو مسموح.
الحب يجعل منك ثائرا.. لك كيان فريدا متفرد به دون كل العيان
إن رجال الدين و السياسة و الكهنة ليست لهم همة و لا مهمة الا الاستغلال و الاحتيال...
كالطفيليات ليس لهم حياة الا بالمماة..
و لجعلك ضعيفا روحيا انتقوا لك أفضل الطرق حيث أن نتائجها مضمونة و مصونة مئة بالمئة..
بتمرينك و تعليمك بان لا تحب نفسك...
لأنك بذلك ستصبح أنانيا و عدوانيا و لا يمكنك ان تكون محبا لغيرك...
و بذلك تصبح تحت الاستغلال و الاحتيال.. حيث يجب عليك الامتثال لهم بمحبة الغير.. لأنه من المعلوم بأنه إذا لم تكن محبا لنفسك لن يكون بوسعك أن تحب على الإطلاق ..
فلهذا ترى همتهم بأوسع نطاق ترتكز على محبة الغير.. محبة الإنسانية, محبة الله, محبة الطبيعة, محبة الزوج, الزوجة, الأطفال, و الداك ما عدى نفسك لا تلتفت إليها أبدا بل أحب كل ما هو سواك..
لكن الحب يمنحك أجنحة تمكنك من التحليق لأعلى من ذلك المضيق..
الحب يمنحك بصيرة تسمو بك لأرقى و أنقى من أن يستطيع أحد خداعك, استغلالك أو اضطهادك..
و لكن المنطق الذي يتبعونه هو إدانة حب الذات, حيث بأنه عند محبتك لنفسك سينمو عندك الغرور و الاستكبار و الأنا و هذا كله هراء... لأنه لا وجود للانا بمحبة النفس... فهي لا تتواجد و لا تنعكس و تعكس الا بمحبتك لغيرك..
عندها يصبح لها وجود و كيان.
و تتواجد الأنا لدى المبشرون, المصلحون و أكثرهم الاجتماعيون و هم ليس في حقيقتهم الا مفسدون و ملحدون..
هؤلاء يملكون و متوجون بأعظم أنا في العالم حيث يحيزون أنفسهم بأنهم أشخاص مميزون .. و هم ليس أشخاصا عاديون.. طبعا يحبون الله, يحبون الآخرين, يقتدون بالعظماء.. و هذا ليس حبا و إنما قشورا تتهاوى ليس لها أي جذور.. أي شخص عادي واعي بمحبته لنفسه..
إن الإنسان الذي يحب نفسه يبدأ بأول الخطوات للحب الحقيقي و هي محبة النفس..
فبحبه لنفسه يصبح نبعا للحب..
و يمكن أن نمثل ذلك .. بأنه عندما نرمي الحصاة في بحيرة هادئة.. ستبدأ موجات من الدوائر بالظهور حول الحصى طبيعيا.. هذه الموجات ستنبع من الحصى أولا ثم تنشر و تعبر على الشاطئ..
أما إذا لم يكن هناك أي نبع من الحصى لتلك الموجات.. فكيف لها أن تنبع و تتبع بعضها و تتمدد إلى أن تصل إلى الشاطئ..
تيقن الكهنة و رجال الدين و السياسة بأنه بانعدام حب الشخص لنفسه يؤدي ذلك إلى إعدام الحب في حياته كليا..
و أي حبا في بديل ذلك سيكون مزيفا ليس له أي معنى.
هل تسألت يوما و تأملت الحب في العلاقة بين الأباء و الأبناء فهي ليست تأدية لواجبات.. واجبات الأباء نحو الأبناء تليها واجبات الأبناء نحو الأباء.. و كذلك بالنسبة للأزواج و الزوجات ليست الا علاقة طاعة فيما بينهما...
ليس للحب وجود في هكذا علاقات.. ما هي الا واجبات.
الحب ليس واجبا تؤديه, الواجب ليس الا عبئا على عاتقك .. الحب بهجة و انتشاء.. المحب لا يشعر أبدا بأنه هناك كفاية و غاية لحبه.. بل حبه ينتشر و يعبر كل معبر..
لا يعتبره التزاما نحو الآخرين.. أبدا بل بالعكس و إنما بقبول الأخر لحبه لهديته تجعل منه في طريق الهداية و الدراية..
إن الشخص الذي يؤدي الواجبات يعتقد بأنه في سمو و علو روحاني استثنائي و ذلك بخدمته للآخرين..
هؤلاء الأشخاص هم أكثر الناس ايداء و تزييفا لما هو ظاهر و بالخلص منهم ستستعيد الإنسانية حريتها و نورها و رقصتها الوجودية ...
و لكن لقرون و عهود و الإنسان سمم و قطع من جذوره... صنعوا منك إنسانا مرتبكا و خائفا من ان يكون لك القدرة على محبة نفسك .. و هي أول التجارب و الخطوات نحو درب الحب..
إن الإنسان المحب لنفسه يقدرها و يحترمها و بذلك يحترم الآخرين أيضا لأنه يعلم بأنه هو و الأخر واحد.. كما أتمتع بالحب و الاحترام كذلك الآخرون..
يدرك بأننا لسنا مختلفين.. لطالما كانت الأسس معنية .. فنحن واحد تحت القانون عينه.
يقول بوذا .. نحن بشكل مباشر نعيش تحت القانون الأبدي .. في التفاصيل قد نكون مختلفين قليلا عن بعضنا البعض .. و هذا الذي يمنح الجمال دون تحميل لذلك التشكيل.. لكن في الأساس نحن جزء من الكل من طبيعة واحدة..
إن المحب لنفسه لديه المقدرة على معرفة الحب و الاستمتاع به, حيث يصل إلى الآخرون دون امتناع أو ابتداع..
إذا كنت تتعايش مع ذلك الحب فستشارك به غيرك, لن تحيا بذلك الحب لوحدك .. لأنه هناك شيء سيتضح لك الا وهو عندما تتشارك به غيرك ستشعر بالانتشاء و الارتواء كم من الانتشاء ستشعر و أنت في درب الحب إذا شاركته مع الآخرين..
و ببطئ سيبدأ حبك موجات تتصل و تصل إلى ابعد الحدود من حبك للآخرين إلى حبك للحيوانات, الطيور, الأشجار و الصخور.. و كل ما هو موجود في الوجود..
بامكانك ملئ الكون بحبك.. فقط شخص واحد بامكانه ملئ الكون بالحب.. كما تملئ حصاة واحدة صغيرة البحيرة بأكملها بتموجاتها...
يقول لك بوذا أحبب نفسك.. و هذا لا يتوافق معه أي رجل دين أو سياسة, لأنه هذا يهدم و يحطم حرصهم بالكامل.. كامل تراكيبهم الاستغلالية..
إذا الإنسان لم يستطع محبة نفسه فسيصبح ضعيفا و يزداد ضعفا يوما عن يوم..
يمكن لجسده أن ينمو لكن لن يكون هناك أي نمو داخلي.. لأنه امتنع عن تغذيته.. فلا يتبقى منه الا جسد دون روح....
تبقى الروح كالبذرة بذرة إذا لم تستطع تربة الحب الصالحة لإنمائها...
و تلك التربة هي محبة النفس..
و بذلك تتعلم بأن تحب نفسك.. أولا, و لن يكون هناك لتواجد الأنا فيك..
في الحقيقة إن الحب كالنور الذي يبدد ظلام الأنا فلا يصبح لها وجود..
اما إذا هممت بمحبة الآخرين فستبقى تعيش بظلام الضالين..
ادر ذلك النور و نور به نفسك بحبك لنفسك..
نور دربك أولا.. دع من ذلك النور يبدد ظلامك و ضعفك الداخلي..
و يصنع منك و فيك قوة روحية و عندها تعلم بان روحك تملك القوة التي لا تموت أبدا.. خالدة.. عندها تعلم بأنك أبدي.
الحب يمنحك البصيرة الأولى للخلود.. التجربة الوحيدة التي تتجاوز الوقت.. لهذا نجد الأحباء ليسو خائفون من الموت..
الحب لا يعرف أي موت فالحب يحيي و لا يميت..
أي لحظة من الحب تجمع و تشمل كل الخلود..
لكن الحب يجب أن يبدأ منذ البداية.. أول خطوات الحب و هي محبة النفس..
لا تدين نفسك, لطالما أدنتها فقد قبلتها على ذلك النحو ... و بذلك تؤدي نفسك.
لا أحد يظن بأنه جديرا بما فيه الكفاية
لا أحد يفكر بأنه خلق جميل و أية من خلق الله
لا احد يفكر أبدا بأنه هناك حاجة له...
هذه الأفكار كلها سموم و لكنك تممت بها.. منذ رضاعتك لحليب أمك.
هذا كل ماضيك بالكامل ...
الإنسانية عاشت تحت غيمة مظلمة من إدانة الذات ..
إذا كنت تدين نفسك كيف لك ان تنمو؟؟
كيف لك أن تصبح ناضجا؟؟ و بذلك تدين نفسك .. فكيف للوجود أن يصبح معبدك؟؟
إذا ليس بمقدورك عبادة الوجود فيك... فأنت عاجزا عن عبادة الوجود في الآخرين.. سيكون من المستحيل.
فقط يمكنك أن تصبح جزء من الكل المتكامل إذا احترمت احتراما عظيما لله الذي ينطوي فيك..
أنت المضيف و الله ضيفك.. بمحبك لنفسك ستعلم بأن الله اختارك لان تكون آيته.. أحترمك و أحبك لذلك.. بخلقك أراك حبه لك..
أبدا ما خلقك بشكل عرضي .. بل لقدرا معني.. هناك مجدا لتنجزه ...
و بذلك الله خلقك في أحسن تقويم على صورته..
الإنسان اله, أية وليس آلة... و لن تكون هناك قناعة و لا طاعة الا بإنجازك تلك الألوهية..
و لكن يمكنك أن تكون إلها.. و رجال الدين جعلو منك أثما, حكمو ا عليك بالنكب و الجحيم , و خائفا و فارا من محبة نفسك...
هنا تكمن حيلتهم ليجعلوك ضالا و هي قطع ذلك الجذر الذي يربطك
بدرب الحب.. و تحصلوا على مرتبة الامتياز في الخداع .. جديرين بهذه المرتبة, ثم يقولون لك كن محبا للآخرين..
و هذا ليس حبا اصليا و إنما صناعيا.. كالذريعة.

ينادونك بحب الإنسانية, وطنك, بلدك, الحياة, الوجود,الله هذه ليست الا كلمات لا تخلو من الممات .. هل صادفت في حياتك الإنسانية غير مصادفتك للإنسان ككائن يخلو من الإنسانية.. و أدنت أول من صادفت في حياتك و هو أنت..
ما أحببت نفسك و لا احترمتها أبدا , فحياتك تضيعها في إدانة الآخرين...
لهذا نجد مثل هؤلاء الأشخاص نقادا عظماء ... يجدون العيوب مع أنفسهم.. كيف يتجنبون إيجادها في غيرهم؟؟؟ سيجدونها و يعظمونها بأكبر قدر ممكن..و ستكون هي أداة التوفير الوحيد لديهم.. و كثرة النقد لا تدل الا على قلة الحب..
و لهذا فأن بوذا هو الذي يمنحك مثل هذه البصيرة, فهو يقول لك ... أحب نفسك.. و هذه أكبر نقطة للتحويل الجذري, لا تخاف من محبة النفس.. أحببها بالكامل.. و ستفاجأ بالتكامل و بالتخلص من كل إدانة ذاتية, أذنت بها على نفسك,و قلة احترام أحسست به حيال نفسك و بذلك تنفصل عن فكرة الذنب من أصلها و فصلها.. و تشعر بأنك جدير بالحب من الله... و عندها سترى نور الله في كل منا, و تلك هي الرحمة تنبع منك و تتدفق
تلقائيا بشكل طبيعي.
من السهل بان يصبح المحب لنفسه متأملا, حيث أن التأمل يعني بأن تكون مع نفسك.. فإذا كنت تكره نفسك, كما اجبر على ذلك دينيا و دنيويا..
كيف لك أن تكون معها.. التأمل ليس الا متعة و انتشاء بكونك مع نفسك..
احتفاء بنفسك .
التأمل ليس علاقة تعلق, بل ليس هناك حاجة للآخرين .. الشخص يكتمل بنفسه في نفسه.. يستنير بنوره, حيث الحي حيا فيك..
و أعظم المعجزات التي يفتح التأمل أبوابها, هي بأن تحيا الكينونة التي خلقت بها..
و الذي يحب نفسه حقا هو الذي بامكانه أن يتأمل ..
ما عدى ذلك فأنت دائما تتهرب و تتفادى نفسك..
من لديه الرغبة في النظر و الغوص في كيان قبيح... من الذي يرغب بالتعمق
في طينته و ظلامه؟؟
من يريد الدخول في الجحيم التي صنعها بنفسه؟؟ و تريد أن تغطي و تواري هذا كله بازهارا جميلة و تهرب دائما من نفسك؟؟
فلهذا تجد الناس راغبون في التشارك في شركهم مع غيرهم, لا يمكنهم ان يتحدوا مع أنفسهم, فقط يرغبون بالتواجد مع غيرهم ...
و أي نوع كانت هذه الشراكة .. فقط ليست الا عذرا لتجنب بقائهم مع أنفسهم.. لساعات و لساعات قد تراهم يشاهدون التلفاز.. أو قراءة الروايات , و الصحف و المجلات مرارا و تكرارا.. إهدارا للوقت .. كما لو ان عندهم
وقت أكثر من اللازم..
نحن لا نملك الوقت اللازم للنمو و السمو , و هذه احد المشاكل الأساسية
التي خلقت من قبل التربية الخاطئة و هي ان تتفادى نفسك..
و الناس تجلس قبالة التلفاز حتى أصبحت قبلتهم لساعات و لساعات قد تمتد إلى ست ساعات متواصلة .. و أصبح هذا المرض ينتشر حول العالم..
ماذا تشاهد..وعلى ماذا تتحصل سوى إهدارا للوقت و حرقا لعينيك؟؟
يعتبر التلفاز أول شيء في هذا العالم كمصدر للنور..
و بذلك لم ترى النور بعينه و إنما الأجسام التي تصدر النور..
فأنت لا تنظر إلى الشمس و إنما إلى الوردة.. الشمس تشرق على الوردة تضيئها و تنيرها.. تنظر إلى الأشجار ووجوه الناس.. كما انك لا تنظر إلى
سبينة الكهرباء بل إلى الصور التي على الحائط.. و لست بقادر على رؤية الصور إذا لم يتواجد الضوء..
و لكنك لا تنظر مباشرة إلى مصدر النور و الضوء لأنه بذلك تحرق الآلية الحساسة جدا من عينيك..
و بشكل مباشر فأنت تنظر إلى مصدر الضوء... الا تشاهد الفيلم عوضا عن مشاهدة التلفاز.. لأنك على الأقل لا ترى مباشرة مصدر ذلك الضوء..
و التلفاز مسبب لعديد من الأمراض.. و هناك احتمال كبير انه احد مسببات السرطان.. و هناك العديد من الأمراض التي حتما سيتم اكتشافها سببها مشاهدة التلفاز ... حيث أن الجيل الذي يشاهد التلفاز لست ساعات في اليوم في تزايد و نمو..
و لكن حتى بغياب التلفاز هذا هو الحال دائما... المشكلة دائما متواجدة..
كيف للشخص ان يتفادى نفسه, لأنه يشعر بأنه قبيح.. و من الذي جعل منك قبيحا.. رجال الدين هم الذين أدنوك بذلك فأصبحت تدين نفسك.. هم المسؤلون عن تحريف وجهك و نجحوا في ذلك.. جعلوا من كل شخص قبيحا..
كل طفل يولد جميل.. نحن من نشل و نحرف و نزيف ذلك الجمال بعدة أشكال.. و نجعله بذلك أقل توازنا.. و عاجلا أم أجلا, يصبح مقترفا من نفسه
و مستعدا لان يكون كشخص أخر أو مع أي شخص أخر.. حتى مع المومس فقط ليتفادى نفسه.
يقول بوذا.. أحب نفسك.. و بهذا يمكن تغيير العالم بأكمله, و تدمير ذلك الماضي القبيح.. و يمكن ان يبشر بعصر جديد, و ان يكون بداية جديدة للإنسانية..
لذلك يكون الإصرار على الحب.. لكن أولا احب نفسك .. و من ثم يمكن لهذا الحب أن ينتشر, و ليس عليك القيام بأي شيء لنشره و إنما ينتشر بنفسه و يعبرها..
يقول بوذا .. أحبب نفسك ثم يضيف مباشرة.. راقب و شاهد .. هذا هو التأمل.. لكن المتطلب الأول هو أن تحب نفسك ثم تشاهد على ذلك..
إذا لم تحب نفسك و تبدأ بالمشاهدة قد ترغب بالانتحار. . .
العديد من البوذيين قد يودون الانتحار لأنهم لم ينتبهوا إلى الركيزة الأساسية
.. يقفزون فورا إلى الثانية .. الا و هي مراقبة النفس و في الحقيقة أبدا ما قابلت منهم من أعطى انتباها أو أهمية إلى الركيزة الأولى و هي أحب ذاتك..
سقراط يقول .. اعرف نفك, أما بوذا فيقول.. أحب نفسك..
و بوذا أصدق بكثير في ذلك .. لأنه ما لم تحب نفسك أنت لن تعرفها, المعرفة تأتي لاحقا.. الحب يخصب الأرض لذلك... الحب هو إمكانية معرفة النفس... الحب هو الطريق الامثل لمعرفة النفس..
و في ذات مرة كنت جالسا مع راهب بوذي.. و كنا نتطرق في الحديث و صادفنا مقولة بوذا في محبة النفس.. و بدأ يتحدث عن المراقبة, كما لو إنه لم يقرأ الجزء الأول منها إطلاقا..
البوذية لم تدفع أي انتباه لذلك الجزء في محبة النفس.. بل تجاوزته بكل بساطة.
قلت له انتظر فأنت تشرف على شيء ضروري جدا.. المراقبة هي الخطوة الثانية و أنت تجعل منها الأولى... و لا يمكن أن تكون كذلك..
قام بقراتها مرة ثانية .. تيقن لها و قال بحيرة .. أنا أقراها طوال حياتي..
و قرأتها لملايين من المرات و هي صلاتي اليومية كل صباح...
و أكررها بكل سهولة و لكن أبدا لم انتبه لذلك الشيء و هو محبة النفس..
الركيزة الأولى للتأمل و المراقبة هي الثانية..
و هذه نفس الحالة مع جميع البوذيين في العالم.. و نفس الحالة مع البوذية التي انتشرت في الغرب, يرتكبون نفس الخطأ..
لا أحد يرى بأن محبة لنفس هي أساس معرفة النفس و مراقبة النفس..
لأنه مالم تحب نفسك فلن تستطيع مواجهتها أبدا..
ستتفاداها, فالمراقبة يمكن ان تكون طريقة لتفادي نفسك!!
أولا أحب نفسك.. و شاهد و راقب اليوم, غدا و دائما..
اخلق طاقة محبة حول نفسك, أحبب جسدك و رأيك, أحبب آليتك و آيتك الكاملة.. كأنك الحي بالكامل.. و بالحب يعني أن تقبل و تتقبل نفسك كما هي.. لا تحاول أن تقمع, نقمع فقط عندما نكره أي شيء..
لأنه إذا قمت بالقمع فكيف يمكنك المراقبة..
حيث لا يمكننا أبدا النظر في عين العدو.. و إنما فقط في عين من نحب.
كذلك إذا لم تحب نفسك فلست قادرا على رؤية عينيك و نفسك.. لحقيقتك الأصلية المتأصلة فيك..
المشاهدة هي التأمل .. اسم بوذا للتأمل,
المشاهدة هي شعار بوذا ... حيث يقول, كن وعيا لا وعائا... لا تتصرف على نحو غير مدرك أو واعي, و لا تستمر بالادعاء كالإنسان الآلي بهذه الطريقة يستمر الناس بالانشغال..
يعيش الناس بشكل غير واعي, غير واعين لما يقولون.. لما يقوون به..
ليسوا متيقظون لذلك.
يستمر الناس بالتخمين و التحزير لأنهم لا يملكون أي بصيرة ... لا يمكنهم ذلك لان البصيرة لا تكون الا بالمشاهدة الكاملة... ثم يمكنك ان ترى بعيون مغلقة..
و لكنك حتى الآن لا تستطيع الرؤية حتى بعيون مفتوحة...
تحزر, تستنتج, تفرض, تسلط و تتسلط .. هذا ما يمكنك القيام به..
لنرى ذلك.. كانت غريس ممتدة على أريكة الطبيب النفساني, عندما قال لها أغلقي عينيك سأحاول القيام بتجربة... أخرج من جيبه محفظة مفاتيح جلدية.. قلبها و هز المفاتيح.. ثم سألها بما يذكرك هذا الصوت...
فأجابته همسا.. بالجنس..
فأغلق محفظة مفاتيحه و لمس بها كفها .. فتصلب جسدها حينها..
و قال لها سائلا ماذا عن هذا..؟؟؟
قالت بشكل عصبي .. الجنس..
قال لها افتحي عينيك الآن و اخبريني ما الذي جعل ما قمت به يذكرك بالجنس؟؟؟
أومضت فاتحة عينيها بتردد... و شعرت بالخجل يعتريها عندما رأت بأنه لم يكن الا محفظة مفاتيح جلدية.. و بتلعثم قالت ظننت بأن الصوت الأول كان صوتا لفتح سحابة البنطال..
رأيك دائما يسلط نفسه بشكل ثابت .. يتدخل و يتداخل في الحقيقة بشكل مباشر و يلونها و يشكلها بأشياء ليست لها صلة بحقيقتها...
عقلك ما يسمح لك أبدا برؤية الأشياء على حقيقتها.. يسمح لك فقط بان ترى الأشياء كما يرغب بان يراها..
كان يعتقد العلماء بان العين, الأذن, الأنف و كل حواسنا و أيضا العقل لم تكن لها أي وظيفة سوى إظهار الحقيقة.. في تعتبر جسرا للحقيقة..
و لكن في خلال عشرون سنة الأخيرة.. هذا المفهوم بكاملة تغير... و الآن يقولون بان أحاسيسنا و العقل ليسا حقا هما ما يطهر لنا الحقيقة.. لكن تنحدر منها ... فقط اثنان بالمئة من الحقيقة تعبر لك عن طريقهما..
و ثمانية و تسعون بالمئة من الحقيقة تبقى خارجها..
و اثنان بالمئة من الحقيقة التي تصلك و لكينونتك .... لا تقف عند حدها و إنما تجتاز العديد من الموانع, يجب أن يتوافق مع العديد من التداخلات العقلية..حيث عندما تصلك ليست هي نفسها..
و التأمل يضع العقل جانبا.. حيث لا يتداخل و يتدخل في الحقيقة... و يمكنك رؤية الأشياء كما هي.
لماذا يتدخل العقل باستمرار ؟؟؟ ذلك لان المجتمع هو الذي خلق لك ذلك العقل.. هو وكيل لذلك المجتمع فيك, تذكر ذلك هو ليس لخدمتك!!
نعم عقلك و لكن ليس تحت إمرتك.. و إنما هو مؤامرة ضدك..
فقد تم تهيئته بالمجتمع.. زرع المجتمع العديد من الأشياء فيه..
عقلك و إنما لا يتآمر تحت إمرتك و إنما تحت إمرة و خدمة المجتمع..
إذا كنت مسيحيا فهو و كيلا للكنيسة المسيحية..
و كذلك إذا كنت يهوديا أم هندوسيا..
و الحقيقة ليست مسيحية و لا هندوسية و لا يهودية.. و إنما الحقيقة هي حقيقة كما هي.. و يجب عليك أن تضع هذا العقل جانبا..
العقل الشيوعي, العقل الفاشي, العقل الكاثوليكي, العقل البروتستانتي..
هناك ألف ثلاثة ألف دين على الأرض ... أديان كبيرة و أديان صغيرة..
و طوائف و طوائف صغيرة جدا ضمن طوائف... إجمالا ثلاثة ألف دين..
فلهذا تجد هناك ثلاثة ألف نوعا من العقل..
كيف هذا و الله واحد... و الحقيقة واحدة..
التأمل يعني بان تضع العقل جانبا, ضعه جانبا و راقب و شاهد ..
الخطوة الأولى هي محبة النفس... حيث إنها ستساعدك بشكل هائل..
بمحبة نفسك ستحطم الكثير مما زرعه المجتمع فيك..
و ستصبح أكثر حرية من المجتمع و اجتماعاته..
الخطوة الثانية هي المشاهدة ... شاهد.. بوذا لم يحدد لك ما تراقب و تشاهد و إنما كل شيء..
المشي يراقب سيرك.. الأكل يراقب طعامك..
اغتسل و استحم .. راقب الماء.. كيف للماء البارد ان يتساقط على جسدك.. لمسة الماء عليك..البرودة و الرعشة التي تمر بعمودك الفقري... كن مشاهدا على كل شيء اليوم, غدا و دائما.
و تأتي اللحظة التي بامكانك فيها مراقبة نومك..
و تلك هي المشاهدة النهائية.. الجسد يذهب للنوم و هناك لا يزال المراقب صاحيا.. يراقب الجسد نائما نوما عميقا بشكل صامت.. تلك هي المشاهدة النهائية.
أما الآن فحالتك نظير لذلك.. جسدك مستيقظ و لكنك نائم.. و من ثم أنت مستيقظ و جسدك نائم.
جسدك بحاجة للراحة و لكن وعيك ليس بحاجة للنوم.. و عيك واعيا, متيقظ
تلك هي طبيعته..
يتعب الجسد لأنه يقع تحت قانون الجاذبية, الجاذبية هي التي تتعبك.. لهذا عندما تركض مسرعا تشعر بالتعب, و كذلك صعود الدرج يتعبك جدا..
لأنه الجاذبية تسحبك نزولا... في الحقيقة عند الجلوس و الوقوف نشعر بذات التعب, و لكن عندما تضطجع.. فقط عندها هناك استراحة للجسد.. لانه اله يتناغم مع قانون الجاذبية..و لكن عندما تقف تكون ضد هذا القانون و دورة الدم تسحب ناحية الرأس معاكسا للقانون فبذلك يبدأ القلب بالخفقان بشدة..
لكن الوعي ليس أبدا تحت إمرة قانون الجاذبية, لذلك هو لا يتعب.. الجاذبية ليست لها قوة على الوعي.. هو ليس صخرة , ليس وزنا.
هو تحت إمرة قانون مختلف كليا.. قانون النعمة, أو كما هو معروف في الشرق, قانون الارتفاع و السمو..
وسائل الجاذبية تسحب نزولا... أما قانون الارتفاع يسحب و يسمو علوا..
إن الجسد بشكل مستمر مسحوب نزولا هبوضا..
لهذا دائما في النهاية يجب أن يضطجع في القبر, تلك ستكون الاستراحة
الحقيقية له, من تراب إلى تراب.. الجسد عاد إلى مصدره.
توقف الاضطراب, و ليس هناك أي نزاع..
إن ذرات جسدك ستكون عندها استراحة حقيقية فقط في القبر.
ترتفع الروح عاليا لأعلى ... كما إنك تصبح متيقظا أكثر وأكثر ستملك أجنحة
تحلق بها في السماء التي بكاملها مملكتك..
الإنسان هو اجتماع الأرض و السماء من جسد و روح.

f