Psychology of Esoteric - مترجم عن أوشو  (قائمة المقالات)

 

لنتعرف إذا كان في عالم ارتقاء و نمو الإنسان من المحتمل في مستقبل الإنسانية
أن يتصل كل إنسان بالحق و ترفع الستارة و يصل الكل إلى الاستنارة... و إنسان اليوم في أي مرحلة من مراحل الارتقاء و النمو و التطور؟؟؟
إن العملية الآلية الطبيعية للتطور و الرقي تصل ذروة دورتها مع تكون الإنسان...
فمع تكون الإنسان تسكن و تتوقف مرحلة الارتقاء و التطور لمرحلة اللاوعي..
تم يبدأ الوعي بالارتقاء من مرحلة تكون الإنسان.. و هناك العديد من الأشياء يجب أن تؤخذ في الحسبان..
أولا.. في طبيعة الوجود يعتبر تطور اللاوعي أمرا ميكانيكي و طبيعي أي يحدث تلقائيا و في لحظة الوعي الوجودي يتوقف تطور اللاوعي لأنه أتم و أنجز مرحلته...
ففي الطبيعة يعتبر دور تطور اللاوعي محدود فقط إلى مرحلة يصل فيها الوعي إلى الوجود... و في هذه المرحلة يصبح الإنسان كائنا واعيا و صاحيا أي إنه اجتاز و تجاوز الطبيعة ... و هذه القفزة اجتازت الطبيعة و توقف دورها...
في حدود التطور للطبيعة قد انجز و أتم على تمام تكون الإنسان... بعد هذه المرحلة
يستند قرار الإنسان بحرية إما أن يكون على هذا المستوى الذي أتى به في الوجود أو أن يتخذ قفزة نحو التطور و الوعي...
ثانيا.. أن تطور اللاوعي يعتبر أمرا جماعيا و اللحظة التي يرتقي بها الوعي و يسمو يتحد فيها الفرد مع نفسه في فردية لا يشبهه فيها أحد..
و ليس هناك رقي تلقائي أبعد من حدود البشرية ... فالوعي عملية فردية يخلق في كل فرد فردية كونية.. و قبل حدوث الوعي لم تكن هناك أي فردية و إنما فقط جماعة فكرية.. أي فكر خامل تحت نمط معين و مسيطر من فكر لفكر...
و عندما لا يزال التطور في حدود اللاوعي عندها يكون عملية آلية لا تحدث أي ثورة فردية و لا حيرة فكرية.. كل شيء يحدث متسلسل مع قانون السبب و التأثير..
الوجود كما هو موجود ثابت و ميكانيكي .. و الأمر يختلف مع الإنسان و الوعي أيضا... فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يأتي إلى هذا العالم مع علامة استفهام و حيرة..و في هذا الحال ليس هناك أي شيء يمكن أن يطوي في أي مقال..
حيث أن السمو قد يحدث أو لا يحدث , الإمكانية متواجدة لكن حرية الاختيار تعود لكل إنسان .. لهذا السبب يعتبر القلق و حيرة الأفكار من الظواهر الإنسانية ..
فكل ما ينطوي تحت مستوى الإنسانية ليس هناك تواجد لهذه الحيرة و القلق حيث أن كل شيء متوافق على ما هو عليه دون تضارب و تعارض .. فميزة و هبة الاختيار تنحدر في مستوى الإنسانية و بينما ليس هناك اختيار كذلك غاب المختار و في غياب المختار استحالة أن يكون هناك حيرة أفكار..
من الذي سيفكر, يتذكر و يتوتر؟؟؟ فبإمكانية الاختيار القلق و التوتر يتلو صاحبه مثل ظله.. و على هذا الحال فإن كل شيء في مستوى الاختيار سيكون ذات مجهود واعي.. فالإنسان هو الوحيد المسئول عن خياراته سواء في حالة الفشل أم النجاح... فليس هناك رجعة في خياراته... فكل اختيار تتخذه لا رجعة فيه فهو قدرك سيبقى معك و جزء منك ولا يمكن إنكاره أو نسيانه.. اختيارك كالمقامرة, ففي حين الاحتيار سيكون الاختيار في عالم الظلام..
لهذا تجد الإنسان في حيرة و قلق .. متلهف دائما إلى جذوره
ما يجعله في حالة عناء و شقاء ابتداء من أن يكون أو لا يكون... أيقوم بهذا العمل أم ذاك.. فيجد نفسه عاجزا دون أن يختار ... فلا محالة إما أن يختار أو لا يختار..
فعدم الاختيار أيضا يعتبر اختيارا .. لذا فأنت مجبر دائما على الاختيار.. عدم الاختيار سيكون له نفس قدر التأثير كأي اختيار آخر..
الوعي هو جمال و كرامة و مجد الإنسان, لكنه في ذات الوقت يعتبر عبء عليه ...
تتحمل به مسؤولية نفسك لأنك عرفت نفسك ..
فمعرفة الإنسان لنفسه فردية سامية وواعية تأتي إلى الوجود..
أنت يمكن أن تسمو بنفسك, لكن سعيك سيكون سعي فردي... فالاختيار خيارك..
لذا هناك نوعان من التطور و السمو إما فردي أو جماعي..
السعي إلى الارتقاء يدل على التقدم الجماعي اللاواعي.. لذا سيكون من الأفضل
استعمال كلمة ..ثورة.. في التحدث عن وعي الإنسان.. لأنه الثورة هي الشيء الوحيد المحتمل أن يجعل منك فردا تتميز بفرديتك بتميز.. ثورتك نابعة من ثروتك الداخلية..
الثورة كلمة تعني جهد الفرد بشكل واعي نحو السمو الذاتي... أي أن تجلب المسؤولية الفردية إلى قمتها.. أنت المسئول عن نموك و سموك..
بشكل اعتيادي يتهرب المرء دائما من مسئوليته في السمو الذاتي و من مسئولية حرية الاختيار.. حيث يشعر بعبء الحرية و مسئوليتها فهو دائما في خوف عظيم من الحرية الفردية..
عندما تكون عبدا فأنت لست المسئول عن حياتك على الإطلاق.. دائما هناك شخص أخر مسئول عوضا عنك.. لذا فإن العبودية بشكل غير مباشر دائما تنسيك الفردية
و تريحك من المسئولية.. فليس هناك عبء على عاتقك ... و على هذا النحو تكون العبودية حرية... حرية من الاختيار الواعي..
اللحظة التي تصبح فيها حرا و سيدا على نفسك, فأنت المسئول عن اختياراتك الخاصة.. فلا أحد يجبرك على عمل أي شيء كل البدائل تفتح أبوابها أمامك...
ثم يصل الكفاح العقلي ذروته و من هذا المنطلق يصبح الشخص خائفا من الحرية..
في بعض العقائد كالشيوعية و الفاشية يسعون دائما لتجريد الفرد من حريته و التهرب من المسئولية الفردية...عبء المسئولية بالكامل لا يتحمله الفرد و إنما المجتمع... عندما يكون هناك فشل في أي أمرا كان فإن أصابع الاتهام تشير إلى المنظمة أو أي جماعة كانت.. الفرد يعتبر جزء من تركيب جماعي ...
و في هذا الحال مع إنكار الشيوعية و الفاشية لحرية الفرد, فهي تنكر رقي و سمو الإنسان أيضا...
و هذا الشيء يعود بإدراج الإنسان إلى مرتبة الحيوان...
فالنشوء و التطور لا يحدث إلا مع تحمل الفرد لمسئوليته بنفسه.. أنت وحدك المسئول عن حريتك .. و بهذه المسئولية الفردية يصبح الإنسان واعيا للرضا و التسليم و عدم الاختيار..
النمط القديم للتطور اللاواعي طوته الأيام و لا يصلح لحاضرنا.. يمكن أن تتعثر خطواتك للوراء نحوه و لا يمكنك أن تندرج تحته..
كيانك سيتمرد لأنك أصبحت إنسانا واعيا و أصبحت بصيرتك منفتحة من كل النواحي..
هناك فلاسفة مثل Aurobindo لديهم نداء عظيم للانهزاميين ... يصرحون و يؤيدون بأن التطور الجماعي محتمل و إن الإنسانية ستصل إلى يوم و تصبح فيه منارة للاستنارة و إن كل فرد سيخلق مستنيرا..
لكنك لو تأملت قليلا في هذا الشيء فأنه لا يبدو محتملا أبدا, و لا طائل و أي منفعة من ورائه.. إذا أصبحت مستنيرا دون مجاهدة النفس فتلك الاستنارة لا تساوي شيء
عدى إنك امتلكت شيئا كأي شيء.. لا تصبح لديك أي نشوة تتوج و تتوهج بجهدك و جهادك بنفسك... ستكون شيء ممنوح لك كأي منحة و نعمة كالعينان و اليدان و كل خلية من جسدك... هل قدرت يوما و تأملت في كل هذه النعم فيك و أحسست بقيمتها..
لا نفتقد الشيء الموجود إلا عندما يصبح مفقود... لا تشعر بنعمة الشيء إلا بعد زوال النعمة عليك.. و إذا أصبحت الاستنارة هكذا كأي هبة فلن تعرف عندها أي انتشاء و ارتقاء..
إذا أتى هذا اليوم الذي تواعد فيه Aurobindo البشرية بأن كل شخص سيولد مستنيرا فستكون هناك خسارة لنشوة الاستنارة و قيمتها منعدمة من أي قيمة ... ستمتلك الكثير و كل شيء ... و لأنه جاءك دون معاناة و مجاهدة ستعني لك لا شيء..
جهاد النفس للوعي و الاستنارة أمرا ضروريا ... فالإنجاز ليس كالجهد و لكن الجهد و الكفاح يعطيه معناه و مغزاه و نشوته لأنك سموت بنفسك و عرفت نفسك بنفسك..
و إذا كانت الاستنارة تتخذ شكل جماعي و بشكل لا واعي... ستكون كالهدية دون هداية.. هذا الشيء ليس مستحيلا فقط و إنما دون معنى و مغزى...
و الاستنارة ليست بالشيء الرخيص لأنك تتعرف على النفيس ... فإنارة مصباح ذاتك بحاجة إلى كفاح و كفاحك يخلق لك القدرة التي تتحسس النعمة و السمو التي تتلو من ورائها..
و عندما يصل الإنسان إلى الوعي و يتعرف على ثروته الداخلية يستغنى بنفسه و يبدأ بفردية تتبعها ثورة خارجية... لكن تطور الوعي لا يبدأ مع أي إنسان, يبدأ فقط إذا اخترت أنت أن يبدأ... و إذا لم تقم بالاختيار كأغلبية البشر فستكون في حالة متوترة..
و إنسانية معاصرة مثل حالنا اليوم.. لا نرى هناك إنجاز لإعجاز يذكر, فليس هناك ما يمكن القيام به و إنجازه دون جهد واعي ... و عندما يكون لديك الوعي الكافي فسترى و كأن جسر اللاوعي قد تحطم و انكسر و لا يمكنك العودة إلى الوراء..
اختيار تطور و سمو الوعي مغامرة عظيمة و الوحيدة التي تبت بجدارة إنك إنسان
و تتعرف على إنسانيتك ... فالطريق صعب ووعر, مجهول و محفوف بالمخاطر
يمكن أن يتوه فيها الفرد و تزل قدمه فلا يصل إلى القمة...
فليس هناك شيء متأكد و أكيد و في هذه الحال يخلق توترا عظيما في العقل..لا تعلم ما به حالك و من أين و إلى أين مكانك... هويتك أصبحت مفقودة و يمكن أن يصل بك الحال إلى الانتحار...
الانتحار أحد الظواهر الإنسانية, فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يختار أن ينتحر, أما الحيوان فليس بيده الانتحار... فمن المستحيل أن يختار الحيوان بوعي موته, يولد و يموت بشكل لا واعي ... و هذا الحال يختلف مع الإنسان .. فالإنسان اللاواعي شيء وحيد يصبح محتملا معه و هو اختيار الانتحار.. المقدرة على اختيار الموت..
و بقدر تعلق الأمر بولادتك فهي ليست من اختيارك, أنت في يدي التطور اللاواعي..
هي طبيعة حيوانية لأنها ليست من اختيارك..
فقط تحت إطار عملية الاختيار تبدأ مرحلة الإنسانية بالعمل حيث يمكن بعدها أن تختار لحظة موتك لذا يعتبر الانتحار فعلا إنسانيا...
و حتى إذا لم تختر تطور و نمو الوعي هناك كل الإمكانية التي قد تجعلك تختار الانتحار.. و قد لا تكون لديك الشجاعة الفذة للانتحار و ستمر عندها بمرحلة بطيئة و إطالة عملية الانتحار.. طويلة الأمد تعيش بشكل لا واعي منتظرا لحظة الموت...
ليس باستطاعتك أن تجعل من أي شخص أخر مسئول عن نموك و سموك..
و تقبل هذا الوضع يعطيك القوة الكاملة و الكامنة فيك .. فأنت الآن بذرة بحاجة إلى تحول و تطور كي تنمو و تسمو لتصبح شجرة..
و نحن في حال يرثى له نخلق آلهة أو نلجأ إلى من نسند و نستند عليه لكي لا نتحمل مسئولية حياتنا الخاصة نسلمها لغيرنا محاولين وضعها في مكان غير مكانها متهربين بعيد عنها... و إذا لم نكن متقبلين لحالنا و حياتنا و آلهتنا نحاول الهروب من المسئولية خلال المسكرات و المخدرات أو من خلال أي بديل يمكن أن يجعل منا لا واعيين لما نحن عليه ...
و لكن هذه الجهود تبقيك كالبذرة التي تداس بالأقدام بانتظار لحظة فنائها في بقائها
لا سمو و لا رقي ... ليست إلا تأجيلا للمشكلة لكنها ليست حلول أنت يمكن أن تؤجل
حتى الموت و المشكلة ستظل باقية... وولادتك و عهدك الجديد سيكون على نفس السياق...
عند إدراكك بأنك الوحيد المسئول عن حالك ... ليس هناك مفر نحو اللاوعي..
و من الحماقة اتخاذ الفرار كقرار و مفر لأنه غيبت عن نفسك أعظم فرصة في حياتك و هي أن تسمو و ترقي بنفسك لتعرف السر الكامن فيها الذي يكملها و يحييها.. و الكفاح سينير نور المصباح الذي ضل منحني و منطوي في ركن من أركان كيانك... ووعيك يعني بأنك تعلم كل ما يحيط بك يعتمد اعتمادا أوليا عليك.. حتى إلهك فهويته أنت من هوى بها على هواك...لأنه خلق من تصورك و خيالك..
و في نهاية المطاف ستجد إن كل شيء جزء منك و أنت المسئول الوحيد عنه..
ليس هناك سبيل لأي أعذار أو إنكار ... المسئولية الكاملة لك وحدك أنت المسئول...
و هذا الشيء يجب أن يفهم بشكل واضح..
اللحظة التي يتطور فيها الوعي لدى الفرد ... فسينصب وعيك على أنك وحدك المسئول عن حياتك.. لذا لا تحاول التهرب من هذه الحقيقة خلال المجتمع , الأصدقاء, المجتمعات و كل ما يلهيك عن تذكر نفسك..
فالعملية الكاملة للسمو و التطور تعمل على هذا النحو للنمو.. ولا يستنير الفرد إلا بتوحده مع نفسه.. لا يتشوش عليك المعنى و تتفهم التوحد وحدة ... الشعور بالوحدة يلحقك عندما تحاول التهرب من التوحد ... عندما لا تكون جاهزا لتقبل حقيقة نفسك و توحدك معها تشعر بالضعف و تشعر بالوحدة و برغبة في أن تكون مع غيرك على الدوام ... و ستبحث عن أي وسائل تجعلك تطوف في عالم لا واعي من السكر و النسيان.... أما التوحد مع النفس يخلق سحرا مبينا من النسيان لأنه شكر و امتنان...
فإذا أمكنك أن تكون متوحدا ولو للحظة واحدة مع كيانك و نفسك ستزول و تذوب الأنا.. ستضعف الأنا و تهون و تصبح في عالم كان و يتخللها السكون.. و سيفنى وجودك و تغيب عن نفسك و ستسبح في صفاء السماء.. و ستظهر لك معجزة تعجزك عن التعبير عنها..
فالأنا لا بقاء لها عند توحدك, لا وجود لها إلا بوجود الآخرين ..فالمسألة ليست بالمستعصية و إنما فقط بحاجة إلى شجاعة بما فيه الكفاية لكي يتوحد الفرد مع نفسه... و بشكل تدريجي ستختفي الأنا و تفنى..
فتوحد النفس أمرا واعيا و متعمدا يصدر من النفس لتجلي مرآتها و تتعرف على ذاتها.. أكثر تعمدا من الانتحار لأنه الأنا لا وجود لها عند التوحد بل تواجدها يكبر في الانتحار... أصحاب الأنا و الأنانيون أكثر عرضة للانتحار...
فالانتحار دائما له صلة بشخص آخر و ليس عملا متفردا... في الانتحار الأنا لن تعاني بالاحرى ستصبح أكثر تعبيرا و تدخل في ولادة جديدة بقوة عظيمة...
خلال التوحد مع النفس الأنا ستفنى و تزول ليس هناك علاقة و تعلق بأخر حتى يرى و تريه من أنت و يستبان بيان الأنا.. إذن إذا كنت مستعدا لكي تكون متوحدا و بشكل ثابت لا تتهرب و تتراجع... فقط تقبل هذه الوحدة و توحد معها فهي فرصة عظيمة ذات قيمة ثمينة .. ثم ستكون كالبذرة التي لها كل إمكانيات النمو و السمو بان تصبح شجرة وافرة و مثمرة .. تذكر بأن البذرة كي تنمو و يظهر المخفي فيها و يزهر..
يجب أن تحطم نفسها و تختفي لكي ترتقي و تنمو ... الأنا كالبذرة كل القوة كامنة فيها و تحتويها إذا فنت و اختفت يظهر الذي كان مخفيا فيها .. فالتوحد مع النفس
فناء للانا و بقاء للواحد الذي يتجلى في كل واحد منا و لن تجد هناك أي أحد ...
و سوء تفهم هذا التوحد و الوحدانية الأحدية ... خلقت العديد من الأمم مفاهيم خاطئة و كونت فرق متوحدة مع نفسها و منقسمة مع غيرها .. و كيف تدعي هذه الانقسامات توحدها بانفصامها عن غيرها كتوحد الهندوس و المسيح و العديد من المسميات و الأمم و البلدان لا تعتبر إلا بدائل للتوحيد..
الوحدانية لا تتأتى إلا من خلال الكلية أي التوحد مع الكل.. و أي حشد من الحشود يمكن أن يقلب الموازين و يلقب نفسه بمتحد.. و من هذه الجذور فهم التوحد بشكل معاكس و مغاير ... فإذا كنت أحد أفراد المنظمات و الهيئات.. عندها تكون في راحة من تحمل المسئولية لأنها لا تقع على عاتقك و باسم هذه المنظمات يمكنك القيام بالعديد من الويلات دون تحمل المسئولية بمفردك... و بهذا الشكل لا نرى هناك أي وعي فردي و إنما وعي جماعي.. و هذه الحشود تعود بإدراج الإنسان إلى مكانة الحيوان.. فالحشد بديل خاطئ و مهين للشعور بالتوحد...
فأنت لست مدركا لحقيقة الحالة التي أنت عليها و لا مدركا لمسئوليتك كإنسان...
و لا للمهمة التي بنيت عليها إنسانيتك في أن لا تختار أي بدائل خاطئة .. و أن تعيش الحقيقة كما هي دون خلق أي أوهام.. فعقائدك سواء أكانت سياسية أم دينية تخلق شعور مخادع من الوحدانية و التوحد...
الوحدانية ترتقي عندما تموت الأنا و تختفي فقط عندما تكون كليا و متوحدا على ما أنت عليه الآن.. و في ذلك التوحد ينبثق عهدا جديدا في حياتك يتفجر كالانفجار و يصبح فجرا لثورة جديدة في حياتك.. و إذا كانت لديك الشجاعة في خوض هكذا حقيقة فستكون ثورتك حقيقية و عن قناعة...
في هذا الوجود متفردين من توحدوا مع أنفسهم كبوذا و المسيح و كل من عرف نفسه.. الأمر ليس كما يظهر لك بأنهم تركوا عائلاتهم و انعزلو و اعتزلوا العالم...
فحقيقة الأمر تعود في تخليهم عن شيء سلبي, خطوتهم كانت ايجابية نحو التخلي للتجلي و التوحد.. انعزالهم لم يكن اعتزالهم عن الناس و العوالم و إنما بحثا عن حقيقة الذات و النفس و عن الكلية التوحيدية التي توحد الوجود أجمع..
إن البحث يكمن في لحظة واحدة و هي لحظة التعرف على الذات و هذه نعمة الوجود و الاستنارة التي تفتح بابا من المنارة في حياتك إلى الأبد و الأزل...
طبيعة البشر خلقت بدائل متنوعة و متفرقة من أمم, عائلات, مجمعات و العديد من المسميات و تناست البحث و معرفة الذات..
الشجاعة الحقيقية تتأتى عندما تكون شجاعا لوحدك.. يعني إدراكك الواعي بأنه حقيقة الذات تكمن في التوحد مع النفس ..
يمكنك خداع نفسك و تستمر على هذا المنوال طول الحياة لكنك ستلف و تلتف حول حلقة مفرغة لا تتعرف بها على شيء و إذا تعرفت على حقيقة التوحد و معرفة الذات ستنكسر و يظهر المركز و الجوهر و هو جوهرة الوجود و الخلود..
هذا الشيء لا يمكن أن يولد مع الإنسان و إنما إنجاز و اعمار على الإنسان أن يجاهد نفسه للوصول إليه..
هناك تفرد و فردية في الوعي أي أنه لا يحدث بشكل جماعي بل بشكل فردي...
و البشرية اليوم أصبحت واعية نوعا ما لحقيقة الإنسانية, و أصبح للأفراد تواجد أي أنه ليس هناك إنسانية و أمة في حد ذاتها و إنما أفراد متوحدون مع أنفسهم أمة في كيانهم..
كل إنسان عليه أن يدرك فرديته و مسئوليته الخاصة به.. و أول شيء لكي تتقبل التوحد و الفردية كحقيقة أساسية و نتعايش بانسجام معها.. علينا أن نجرد حياتنا من أي أوهام و خرافات و أي شيء تقبلنا وجوده في حياتنا و زرعناه و لم نرى حصاده
و لم نلتمس حقيقته في عالمنا فهي أحد السبل التي تبعد عنا معرفة و تلمس الحقيقة..
إن حقيقة التوحد مع النفس فن من الفنون التي إذا تعايشت معها بانسجام و تلاشت كل الأوهام فالحقيقة ستأتي إليك مسرعة لأنها متواجدة و بانتظار فقط أن تفتح لها المجال... مجال و حال التوحد و معرفة النفس دون ان تتقيد بأي شيء يفصلك عن كيانك... و أن تعيش الواقع بعمق و دون توقع ستأتي اللحظة التي تكشف لك الحقيقة عن نفسها و عندها تعلم حقيقة وجودك و صلتك بالوجود..
و إذا أمكنك تحمل المسئولية بحرية و أن تسود عليك السيادة على نفسك, فإن الانضباط سيتلوه بتلقائية و بطريقة آلية.. ستكون واعيا و راعيا للمسئولية و الأمانة و ستتخذ كل خطوة في حياتك برضا دون إدانة... و كيانك لن يرى وينطق إلا الحق في كل حركاته و سكناته... ستكون مدركا أيضا لألم الآخر و لن يمكنك ارتكاب أي فعل لا مبالي لأنه سترى مسئوليتك على نفسك في غيرك أيضا... إذا تعايشت حقيقة التوحد بتوحد .. سترى إن كل نفس و فرد متفرد بهذا التوحد... و استحالة أن لا يكون هناك تراحم و صلة رحمة لكل من حولك و كل ما في الوجود..
عندما تدرك كليا للحالة الإنسانية فستصبح وجهتك و نظرتك دينية و كل ما تعيشه سواء تقشفا أو زهدا لن ترى فيه أي قبحا أو إجبارا بل اعتبارا لكل مرحلة تمر بها في معبر حياتك, ثم ستصبح في رضا و تسليم لكل حال وعلى كل حال...
و ستعلم انك تملك كل شيء و لا شيء و تترك الملك لصاحب الملك..
الحافز للامتلاك ليس إلا بديل لكي تبتعد عن التوحد مع نفسك..
تحس بضعف ووهن و خوف لذا دائما تسعى في البحث عن شريك في حياتك ..
و شراكة الناس أصبحت شركا و غير موثوق بها, لذا تبحث عن البدائل و تتشارك مع الأشياء عوضا عن الأحياء..
محاولا أيضا أن تصنع من آية الإنسان آلة و تموضعها في قالب يسلب فرديتها و خصوصيتها... باعتبار الزوجة و الزوج كشيء يملك و ليس إنسانا و بيانا و فردا..
إذا أدركت فرديتك ستدرك الفردية في كل نفس بشرية و يستبان لك إن امتلاك الأخر ليس إلا تعديا و تجاوزا لحريته..
و سترتقي عندك المحبة و لن ترى في الآخر أي شخص أو فصل و إنما سيكون مرآة لك و لنفسك... و تعيش حقائق الحياة بشجاعة و قناعة كما هي دون مخادعة و مراوغة.. و هذه هي البراءة التي تجعلك أصيلا مع نفسك و غيرك لأنك تبرأت و استغنيت عن بدع الحياة .. البراءة هي الاصالة و القدرة على المشاركة و العطاء مع الوجود ... البراءة تنبع و تتبع الديانة المتأصلة من القلب في قمة إدراك الحقيقة ...
لكن البراءة الحقيقية نتاج لثورة واعية و فردية و ليس من خلال نمو لا واعي و جماعي.. الإنسان هو الوحيد المختار بأن يحلق في أعالي السماء أو أن يبقى يجول في الأرض مداسا بالأقدام.. في أن يختار الحياة أو المماة..
و في أحد أقوال Sartre إن الإنسان مدان في حريته.. أي أنت قد تختار الجنة أم النار..
الحرية هي حرية اختيار ... إذا ما فضلت اختيار الجنة و نعيمها فهو ليس حرية اختيار ... فحرية الاختيار لا تعني بأنك حرا في اختيار كل ما هو ايجابي في نظرك
فهذه ليست حرية اختيار... فالحرية تكمن في نوعية المختار أي انه إذا اخترت بشكل خاطئ فالحرية تصبح مدانة.. و اختيارك بشكل صحيح حريتك نعمة و أمانة..
فالاختيار خيارك يعتمد عليك بالدرجة الأولى حريتك في اختيار ما يجلب لك الاعمار أم الدمار.. و المسئولية تقع على عاتقك بالكامل..
إذا كنت مستعدا ففي أعماق كيانك سينفتح لك بعدا لفجرا و عهدا جديدا من السمو و العلو في آن واحد و ستكون ثورتك فردية و داخلية و تتفتح لك أفاق أبدية.

f