التعبير  (قائمة المقالات)

 

لم يسبق لأحد في مجتمعاتنا أن علمنا مراقبة النفس...

لو نظرنا حولنا لوجدنا بأن الإنسان اليوم يعاني من كبت المشاعر اكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي يفقده صحته وتوازنه. وذلك لان المجتمع يطلب منا بأن نضبط أنفسنا ونتحكم بمشاعرنا ونقيد أنفسنا... ولكن لم يعلمنا أبدا بان نحول المشاعر السلبية.. خاصة وان التحويل أمر مختلف تماما عن السيطرة، إذا لم يكن عكسها...

أولا: في عملية السيطرة أنت تكبت ما بداخلك وتكتمه، لكن في التحويل أنت تعبر عنه...

ولكن لا داعي بأن يظهر تعبيرك على الآخرين ويتم التفريغ فيهم... خاصة وأن ذلك لن يساعدك أبدا! عندما تشعر بالغضب مثلا اخرج واركض حول المنزل سبع مرات ومن ثم اجلس في مكان هادئ وراقب كيف اختفى الغضب.. لم تكتمه ولم تسيطر عليه ولم تفرغه في شخص آخر، خاصة وأنك إذا افرغته في أحد ما فإنك بهذا تخلق سلسلة جديدة من الغضب والمشاعر السلبية، لأن الآخر لا يقل غباء عنك! مثلك تماما بانعدام الوعي الذاتي... فأنت تفرغ
غضبك فيه وهو يعيد تفريغه فيك، بل يزيد مما يحمله في داخله وتعود أنت لتقوم بالمثل... لتذهبا وترميا هذا الحمل الذي زاد عليكما على أشخاص آخرين .. وهكذا!

لا ترمي ما بداخلك من مشكلات على الآخرين.. الأمر يشبه تماما التقيؤ، فعندما تشعر بأنك ستتقيأ تذهب لتتقيأ بعيدا وليس عليهم.. الغضب يحتاج إلى تقيؤ! إنها عملية مهمة فهي تنظف الجسد كاملا وإذا كبت القيء سيتحول إلى مشكلة خطيرة ولكن بعد خروجه تشعر بالانتعاش من جديد وكأن حملا ثقيلا قد زاح عنك لتعود صحتك إليك من جديد... لقد كان هناك خطأ ما في طعامك وجسدك رفضه، لا تجبره على الاحتفاظ به.

الغضب عبارة عن تقيؤ فكري، فشيء خاطئ قد دخل إليك وكيانك يريد أن يرميه خارجا.. ولكن لا ترميه على أحد ما...

وما يفعله المجتمع ليتجنب هذه المشكلة فإنه يخبرك بأن تسيطر على الغضب...

لا تفرغه في أي أحد ولا تسيطر عليه.. ولكن تعلم كيف تتخلص منه.. إنه مجرد طاقة تحتاج إلى نشاط جسدي ليتم تفريغها، اخرج ومارس رياضة الجري.. أو إذا أردت قم بتفريغ غضبك في وسادة إذا كان هذا يساعدك.. أي هواية أو وسيلة لا تؤذي الآخرين تشعر بأنها ستريحك قم بها وستشعر بأن الحمل قد اختفى وعندها لن ترمي غضبك على أحد مرة أخرى لأنك سترى كم هو أمر في منتهى الغباء!

إذن فإن أول خطوة في التحويل هي التعبير عن الغضب.. والتعبيرعنه بشكل كامل

ولهذا السبب لا تفرغ غضبك في الاخرين لأنك لن تستطيع مهما كان أن تفرغه كاملا ، ستؤذي الاخرين دون ان تتخلص منه تماما.. فقد ترغب في ان تبرحه ضربا لكنك لن تستطيع! بينما الوسادة ستتقبل منك اي شيء .. لن ترد عليك ولن تجرك إلى المحكمة، لن تفعل أي شيء! بل ستكون سعيدة وتضحك عليك...

ثانيا: كن واعيا

في السيطرة والتحكم لا تعرف الوعي، فأنت تقوم بالأمر وكأنك آلة... وهذا ما يجعل كيانك ووجودك ينغلق ويصبح محدودا، بينما إذا كنت واعيا ومراقبا لنفسك فإن السيطرة تصبح أمرا مميتا..

ولكن المجتمع لا يرشدك إلى الوعي لأنك إن كنت واعيا لنفسك فعندها يكون كيانك منفتحا للكون كله .. أبعد من الحدود والسياسات والأحزاب والتعصبات التي بالطبع لا يريد لك المجتمع أن تخرج منها... فيبقي على غضبك مكبوتا في داخلك لكي لا ترى الحقيقة..

ولكنك بالوعي لا تستطيع أن تكبت أي مشاعر سلبية بداخلك.. بالرغم من أن المجتمع يستمر في إغلاقك على نفسك وعدم السماح لك بأي مجال بسيط من التعبير ولا حتى منفذ بسيط لها لكي تخرج..

ولكن تذكر.. إذا لم يكن هناك ما يخرج فلا شيء يستطيع أن يدخل... عندما لا يخرج الغضب فإنك تنغلق على نفسك، وإذا لمست شجرة أو نظرت إلى زهرة لا شيء سيصل إليك.. حواسك مغلقة وميتة.. إذا كنت مع أحبابك لا شيء أيضا يصل فالأحاسيس معطلة...

لا يمكن للأحاسيس أن تنمو إلا بالوعي

بالسيطرة تصبح بليدا وميتا.. وهذا ما يسهل السيطرة عليك أيضا... انتبه، إنها أحد الطرق المتبعة... فإذا أصبحت بليدا وميتا لن يؤثر فيك أي شيء من حولك، يصبح الجسد وكأنه حصنا للدفاع عن نفسه فقط.. لا المحبة ولا الإهانة تعني شيئا...

ولكن ثمن هذه المحاولات للسيطرة على النفس باهظ جدا... فأنت تضيع طاقتك كلها على هذا الأمر بدلا من أن تساعدك في تقدمك وتطورك تضيع في محاولات لا تجعل من حياتك إلا حياة ميتة خالية من أي لون أو طعم.. حياة خالية من الحياة! لا روح فيها مجرد عبء تحمله معك..

واليوم لكي نقود الإنسان إلى السيطرة على نفسه فإننا نزرع الخوف في داخله منذ طفولته.. نزرع الشعور بالذنب لديه لكي يتحكم ويسيطر على نفسه، فالغضب سيء والتعبير سيء والمتعة سيئة... نحول أبسط المشاعر إلى خطايا وذنوب لكي نسيطر عليها

بينما في الحقيقة الغضب شيء أساسي مثله مثل أي أمر آخر.. لا غنى عنه فهو كالطاقة التي تحمي الإنسان وتقويه.. إذا لم يتمكن الطفل من الغضب على الإطلاق لن يتمكن من البقاء على قيد الحياة... هناك لحظات لا بد فيها من الغضب لكي يقوى ويشتد ساعده...

الغضب من الأشياء الجميلة ولكن حتى الأشياء الجميلة قد تتحول إلى أشياء قبيحة.. الأمر كله يعتمد عليك.. فهي نفس الطاقة ذاتها ولكن كيف تحولها أنت من غضب إلى رحمة.. إلى محبة وسلام..

ولهذا تذكر إذا جعلت من أي فطرة طبيعية ذنبا وخطيئة فإنها تنقلب إلى شيء سام يدمرك ويقضي على حقيقتك... ولكن إذا عدت بها إلى فطرتك فإنك تحولها إلى طاقة مقدسة تنبع من هذه الروح الإلهية التي نُفخت فيك....

لهذا لا تكبت الغضب... لا تكبت مشاعرك مهما كانت فقد تتحول ضدك

ولكن عبر عنها وكن صادقا مع نفسك.. لتعرف طعم الحياة

لترى حينها بأنها مجرد رحلة ممتعة لا أكثر...

f