التلبينة  (قائمة المقالات)

 

التلبينة" وصيّة نبويّة.. وحقيقة علميّة

ثمّة أشياء تبدو في أعيننا بسيطة متواضعة القيمة.. لكن تأمّلها بعين الحكمة يكشف لنا عن كنوز صحيّة ندوس عليها ونحن نمضي في طريقنا نحو المدنية المعاصرة، مثقلين بالشحوم ومكتظين بالسكر وملتبكين معوياً ومعنوياً. ومن تلك الكنوز التي أغفلها بصر الإنسان ولم تغفلها بصيرة النبوّة.. كنز التلبينة!! وهي حساء يُعمل من ملعقتين من دقيق الشعير بنخالته ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق، ثم يضاف كوب لبن وملعقة عسل نحل.

سُميَت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها. وقد ذكرت السيدة ‏عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى بالتداوي والاستطباب بالتلبينة قائلاً: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن" صحيح البخاري.
ومن المذهل حقاً أن نرصد التطابق الدقيق بين ما ورد في فضل التلبينة على لسان نبي الرّحمة وطبيب الإنسانية وما أظهرته التقارير العلمية الحديثة التي توصي بالعودة إلى تناول الشعير كغذاء يومي؛ لما له من أهميّة بالغة للحفاظ على الصحة والتمتع بالعافية.

تخفض الكولسترول وتعالج القلب
أثبتت الدراسات العلميّة فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستويات الكولسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيويّة، تتمثل فيما يلي:
أ - تتحد الألياف المنحلّة الموجودة في الشعير مع الكولسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم.
ب - ينتج عن تخمّر الألياف المنحلّة في القولون أحماض دسمة تمتص من القولون، وتتداخل مع استقلاب الكولسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.
جـ- تحتوي حبوب الشعير على مركبات كيميائيّة تعمل على خفض معدلات الكولسترول في الدم، ورفع القدرة المناعيّة للجسم مثل مادة "بتا جلوكان" B-Glucan والتي يُعتبر وجودها ونسبتها في المادة الغذائية محدداً لمدى أهميتها وقيمتها الغذائية.
د - تحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامينات "هاء" Tocotrienol التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكولسترول، ولهذا السبب تشير الدلائل العلميّة إلى أهمية فيتامين "هاء" الذي طالما عرفت قيمته لصحة القلوب إذا تم تناوله بكميات كبيرة.

وعلى هذا النحو يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلًب -خاصة شرايين القلب التاجية- فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية (Ischemia)، واحتشاء عضلة القلب ( Heart Infarction).
أما المصابون فعليّاً بهذه العلل الوعائيّة والقلبيّة فتساهم التلبينة بما تحمله من خيرات صحيّة فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضيّة.
وهذا يظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض.."، ومجمّة لفؤاد المريض أي مريحة لقلب المريض!!

علاج للاكتئاب
كان الأطباء النفسيّون في الماضي يعتمدون على التحليل النفسي ونظرياته في تشخيص الأمراض النفسية، واليوم مع التقدم الهائل في العلوم الطبية يفسر أطباء المخ والأعصاب الاكتئاب على أنه خلل كيميائي.. كما يثبت العلم الحديث وجود مواد تلعب دوراً في التخفيف من حدة الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها... وهذه المواد تجتمع في حبة الشعير الحنونة التي وصفها نبي الرّحمة بأنها "تذهب ببعض الحزن".
ولتوضيح كيف تؤثّر المواد التي يحويها الشعير في الاكتئاب، وتخفف من حدته نذكر أهم تلك المواد المضادة للاكتئاب والموجودة في الشعير، ومنها:
المعادن: فتشير الدراسات العلميّة إلى أن المعادن مثل البوتاسيوم والماغنسيوم لها تأثير على الموصلات العصبية التي تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وفي حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبيّة. وحيث إن حبة الشعير تحتوي على عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم فالتلبينة تصلح لعلاج الاكتئاب، ويُلاحظ هنا أن الدراسات العلمية تستخدم كلمة "التخفيف من حالات الاكتئاب"، ونجد ما يقابلها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تذهب ببعض الحزن"، وهذه دلالة واضحة على دقة التعبير النبوي الذي أوتي جوامع الكلم.

فيتامين "B": قد يكون أحد مسببات أعراض الاكتئاب هو التأخر في العملية الفسيولوجية لتوصيل نبضات الأعصاب الكهربية، وهذا بسبب نقص فيتامين "B"؛ لذلك ينصح مريض الاكتئاب بزيادة الكمية المأخوذة من بعض المنتجات التي تحتوي على هذا الفيتامين كالشعير.

مضادات الأكسدة: حيث يساعد إعطاء جرعات مكثّفة من حساء التلبينة الغنيّة بمضادات الأكسدة (فيتامين E وA) في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنيّة قصيرة تتراوح من شهر إلى شهرين.

الأحماض الأمينية: يحتوي الشعير على الحمض الأميني تريبتوفان Tryptophan الذي يسهم في التخليق الحيوي لإحدى الناقلات العصبية وهي السيروتونين Serotonin التي تؤثّر بشكل بارز في الحالة النفسيّة والمزاجيّة للإنسان.

علاج للسرطان وتأخر الشيخوخة:
تمتاز حبّة الشعير بوجود مضادات الأكسدة مثل (فيتامين E وA)، وقد توصّلت الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة يمكنها منع وإصلاح أي تلف بالخلايا يكون بادئاً أو محرّضاً على نشوء ورم خبيث؛ إذ تلعب مضادات الأكسدة دوراً في حماية الجسم من الشوارد الحرّة (Free radicals) التي تدمّر الأغشية الخلويّة، وتدمّر الحمض النووي DNA، وقد تكون المتهم الرئيسي في حدوث أنواع معيّنة من السرطان وأمراض القلب، بل وحتى عملية الشيخوخة نفسها.
ويؤيّد حوالي 9 من كل 10 أطباء دور مضادات الأكسدة في مقاومة الأمراض والحفاظ على الأغشية الخلوية وإبطاء عملية الشيخوخة وتأخير حدوث مرض الزهايمر.
وقد حبا الله الشعير بوفرة الميلاتونين الطبيعي غير الضار، والميلاتونين هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، ومع تقدّم الإنسان في العمر يقل إفراز الميلاتونين.
وترجع أهمية هرمون الميلاتونين إلى قدرته على الوقاية من أمراض القلب، وخفض نسبة الكولسترول في الدم، كما يعمل على خفض ضغط الدم، وله علاقة أيضاً بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، ويزيد الميلاتونين من مناعة الجسم، كما يعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، كما أنه أيضاً له دور مهم في تنظيم النوم والاستيقاظ.

علاج ارتفاع السكر والضغط
تحتوي الألياف المنحلّة (القابلة للذوبان) في الشعير على صموغ "بكتينات" تذوب مع الماء لتكوّن هلامات لزجة تبطئ من عمليتي هضم وامتصاص المواد الغذائيّة في الأطعمة؛ فتنظّم انسياب هذه المواد في الدم وعلى رأسها السكريات؛ مما ينظّم انسياب السكر في الدم، ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء.
ويعضد هذا التأثير الحميد للشعير على سكر الدم أن عموم الأطعمة الغنية بالألياف -منحلة وغير منحلة- فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ يقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة والنهم للنشويات الغنيّة بالسعرات الحرارية.
ولأنّ المصابين بداء السكري أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي؛ فإن التلبينة الغنيّة بالألياف تقدّم لهم وقاية مزدوجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية والحول دون مضاعفاته الوعائيّة والقلبيّة من ناحية أخرى.. وهكذا يمكننا القول بثقة إن احتساء التلبينة بانتظام يساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم.
كما أكدت الأبحاث أن تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر البوتاسيوم تقي الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، ويحتوي الشعير على عنصر البوتاسيوم الذي يخلق توازنا بين الملح والمياه داخل الخليّة. كذلك فإن الشعير له خاصية إدرار البول، ومن المعروف أن الأدوية التي تعمل على إدرار البول من أشهر الأدوية المستعملة لعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم.

مليّن ومهدّئ للقولون
والجدير بالذكر أن الشعير غني بالألياف غير المنحلة وهي التي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها؛ فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها؛ مما يسهل ويسرع حركة هذه الكتلة عبر القولون، وهكذا تعمل الألياف غير المنحلة الموجودة في الحبوب الكاملة (غير المقشورة) وفي نخالة الشعير على التنشيط المباشر للحركة الدوديّة للأمعاء؛ وهو ما يدعم عملية التخلص من الفضلات.
كما تعمل الألياف المنحلة باتجاه نفس الهدف؛ إذ تتخمر هلامات الألياف المنحلة بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون؛ مما يزيد من كتلة الفضلات، وينشط الأمعاء الغليظة؛ وبالتالي يسرع ويسهل عملية التخلص من الفضلات.
وأظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون؛ حيث استقرّ الرأي على أنه كلّما قلّ بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلّت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانيّة، ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتيريا القولون للألياف المنحلة ووجود مضادات الأكسدة بوفرة في حبوب الشعير.

ملاحظة: يجب الاهتمام بالحصول على المصدر العضوي لجميع المواد المذكورة، لأن ما نعرفه باللبن الموجود في الأسواق في هذه الأيام لا يحوي على شيء من اللبن الطبيعي وكذلك بالنسبة للعسل وغيرها وإنما هي مجرّد مواد كيميائية ممزوجة مع بعضها لتعطي نفس طعم وقوام المواد الطبيعية

www.Basharantoon.com
Be The Change You Want To See In The World

f